الأحد، 14 أكتوبر 2012

على قارعة الطريق




وقفت على قارعة الطريق تنتظر لمح الحافلة في الأفق، و كانت كمن ينتظر هطول المطر في  أشهر الصيف، كيف كان لها أن تدرك أن الحافلة الوحيدة التي أوصلتها إلى وجهتها طيلة خمس سنوات ما عادت تعبر عبر ذلك الشارع. كل الأشياء تواطأت على محو كل ما كان حياتها و كل ما صنع في يوم ما أيامها.

 وقفت على قارعة الطريق تنتظر لمح الحافلة في الأفق و مضت قرابة الساعة، لم تنتظر الحافلة أبدا بكعب عال، لقد أدركت دائما أن ذلك ضرب من الجنون، و لكنها لم تتخيل أبدا الألم الذي يترتب عنه، لا مشكلة.... الألم الجسدي و الإنتظاريتوطأن لجعلها تفقد التركيز و لو لحظات ـ على التعاسة التي صبغت برمادييها أيامها و ملابسها... و إبتسامتها

وقفت على قارعة الطريق، ولعل كل من عبرفي ذلك الطريق لاحظ وجودها.. ما من مبرر لوقوف سيدة أنيقة على قارعة الطريق. ربما تنتظرسائقها الخاص و سيارتها الفخمة، و لكن ليس في مثل هذا المكان... غريب كيف يصنفونك إثر نضرة، هل أنت من ركاب
الحافلات أم من مالكي السيارات ثم يحكمون عليك بالوقوف الأبدي في انتظار حافلة لن تأتي

وقفت وحيدة في نفس المكان الذي وقفت فيه معه طيلة خمس سنوات,  ينتظران حافلة يتمنيان أن لا تأتي فيطول  اللقاء، و لكن حافلتها كانت سرعان ما تلوح في نهاية الطريق، كان الإنتظار حلوا برفقته، قصيرا مهما تأخرت الحافلات .. و قطع حبل الذكريات الحلوة ملوحة دمعة لم تنتبه لنزولها إلا عند ملامستها لشفتيها  ...وحدها تلك الدمعة عادت بها إلى حياتها اليوم، فالدموع اليوم وحدهم فقط عائلتها و أصحابها

لقد تركها الجميع، هزوا رحالهم و تركوا أحلامها و أيامها و حاضرها وأخذوا معهم الروح من إبتسامتها.. و رحلوا.. حتى أنهم أخذوا معهم الحافلات.. و هو كذلك كان من المهاجرين، هو أخذ معه حلاوة إنتظار الحافلات على قارعة الطريق.. وبقيت هي، جثة أحلام وبقايا سعادة رمادية و صديقة دموع تلبس ملابس فاخرة و كعبا عال و لا تركب الحافلات

اليوم خيل لها أن الحياة أعطتها فرصة الرجوع، لم تأخذ هاتفها معها. كيف تتصل بسائق سيارتها الفخمة ؟؟ أخذتها قدماها رغما عن كعبها العالي إلى ذلك المكان، هناك تواطأت قارعة الطريق مع الحافلة على منعها من الرجوع. لا مكان تعود إليه الآن سوى قصرها الجليدي المهجور
 لا أحد تعود إليه الآن سوى زوجها العجوز



✿✿✿✿✿

هذه من كتاباتي
http://khatirahlem.blogspot.com/
✿✿✿✿✿